تاريخ الطب
ظهور الطب العلمي: القرن التاسع عشر
الممارسة الطبية تبدأ باللحاق بالعلم
في القرن التاسع عشر، بدأت الممارسة الطبية بالتغير. في نفس الوقت، قام العلماء والأطباء بالاكتشافات التي غيرت الطب جذريا. وقد أتاحت التطورات في المجهر الدراسات المفصلة للأنسجة وهو مجال يسمى علم الأنسجة. وهذا قاد إلى علم خلايا جديد، يسمى علم الخلايا. مهدت هذه الدراسات الطريق إلى نظريات وتطورات عملية كبيرة شكلت أساس الطب كما نعرفه الآن.
رودلف فيرشو
كانت أعمال رودلف فيرشو، وهو عالم ألماني، أساسية لتطور نظرية الخلايا في القرن التاسع عشر.
فلورنس نايتنغيل
يعود الفضل لفلورنس نايتنغيل في تأسيس مهنة التمريض الحديث. كما شجعت أيضا الصحة العامة والظروف الصحية في المستشفيات.
نظرية الخلايا. شاهد روبرت هوك وسمى الخلايا في بدايات القرن السابع عشر، عندما لاحظ خلايا نبات ميت. كان فان ليونهوك أول من رأى خلايا حية تحت المجهر. في القرن التاسع عشر قاد عمل ثلاثة علماء ألمان هم ثيودور شون (1810-82), ماثياس جاكوب شليدن (1804-81)، وفوقهم جميعا رودلف فيرشو (1821-1902)، إلى تطور نظرية الخلايا. باختصار، تقول النظرية أن جميع الكائنات الحية تتكون من الخلايا، أن الخلايا هي الوحدة الأساسية لبنية ووظيفة الكائنات الحية، وأن جميع الخلايا تنتج من خلايا أخرى. باستخدام نظرية الخلايا، تمكن فيرشو من تفسير العمليات البيولوجية مثل الإخصاب والنمو. كما برهن أن التغيرات في الخلايات تسبب الأمراض مثل السرطان. تعتبر نظرية الخلايا إحدى ركائز الطب الحديث.
تفشي الكوليرا في لندن
تم اقتفاء أثر تفشي للكوليرا في لندن، إنجلترا عام 1854 في الماء الملوث. رسم الطبيب جون سنو الخرائط لموقع الحالات التي تجمعت حول شارع واحد.
لويس باستور
أثبت لويس باستور أن الكائنات غير المرئية أي الكائنات المجهرية كانت سبب المرض.
روبرت كوخ
اكتشبف عالم الجراثيم روبرت كوخ الكائنات المجهرية التي سببت السل والجمرة الخبيثة.
نظرية الجراثيم. أما الركيزة الأخرى فكانت تطور نظرية الجراثيم. حتى في ذروة طب الأمزجة، كان هنالك معالجين أدركوا أن بعض الأمراض انتشرت بالعدوى. جاء الذكر الأقدم "للمخلوقات الدقيقة" المسببة للمرض في الفيداس، أي النصوص المقدسة للهندوسية، التي كتبت بين 1500 و500 قبل الميلاد. فهم ابن سينا أن السل وأمراض أخرى كانت معدية. وعزا العلماء المسلمون الطاعون الدبلي للكائنات المجهرية. وقال فراكاستورو، كما أشير أعلاه، أن المرض ينتشر عبر "البذور". بشكل عام، اعتقد معظم العلماء أن الجراثيم المسببة للمرض نشأت من التناسل الفوري، تماما كما ظهرت مخلوقات مثل الذباب، والديدان وحيوانات أخرى صغيرة بأسلوب فوري من المواد المتعفنة. اعتقد أرسطو ذلك، وبقيت الفكرة حتى القرن التاسع عشر.
.استمرت نظرية أخرى من اليونانيين في التأثير حتى القرن التاسع عشر. كانت هذه النظرية مبينة على فكرة أن الأمراض مثل الطاعون والكوليرا كانت نتيجة الأجواء المسمومة (الميازما)، وهو الهواء المحتوي على جزيئات من المواد المسببة للعفن. بدا أن نظرية الهواء السام قابلة للتصديق نظرا لأنها ربطت بين المرض وقلة النظافة، و بدت أهمية النظافة العامة باكرا. آمنت رائدة التمريض البريطانية، فلورنس نايتنغيل (1820-1910) التي قدمت الرعاية للجنود البريطانيين أثناء حرب القرم (1853-1856) أن الأجواء الملوثة الضارة سببت المرض.
بحلول ذلك الوقت كانت الدراسات جارية بحيث أزاحت أخيرا تلك الاعتقادات الخاطئة. في عام 1854، اقتفى الطبيب الإنجليزي جون سنو (1813-58) أثر تفشي للكوليرا في لندن، إنجلترا عام 1854 في الماء الملوث بفعل الصرف الصحي. مثلت دراسته المفصلة حدثا أساسيا في تاريخ كل من الصحة العامة وعلم الأوبئة.
بعد ذلك بفترة وجيرة، أجرى الكيميائي الفرنسي العظيم لويس باستور (1822-95) تجارب قلبت فكرة أن الحياة يمكن توليدها عفويا. وبرهن أن هنالك كائنات دقيقة في كل مكان حتى في الجو. كما أظهر أنها كانت مصدر العملية الكيميائية التي من خلالها تحمض الحليب. إن العملية التي طورها وهي تسخين الحليب (والسوائل الأخرى) لقتل الميكروبات تحمل اسمه: البسترة. عندما تم اعتمادها بشكل واسع، ضمنت البسترة توقف الحليب كمصدر للسل وأمراض أخرى.
قناة بنما
أدت الحمى الصفراء إلى تعليق تشييد قناة بنما. حفز ذلك بحوث وولتر ريد في الفيروسات. وقد توصل
إلى طرق لمنع الحمى الصفراء، منقذا حياة العديد من العمال الذين يشيدون القناة.
أول عملية باستخدام التخدير
في عام 1846، أجرى الجراح الأمريكي جون كولنز وارن، بمساعدة وليام تي جي مورتون، أول عملية
باستخدام التخدير العام.
آمن باستور بأن الكائنات الدقيقة كانت مسؤولة عن الأمراض المعدية في البشر والحيوانات وانتقالها بينهم. وقد طور لقاحات فعالة ضد الجمرة الخبيثة وداء الكلب عبر حصد الأنسجة من الحيوانات التي ماتت بسبب هذه الأمراض. لكن عمل طبيب ألماني هو روبرت كوخ (1843-1910)، هو الذي أعطى نظرية الجراثيم الخاصة بالأمراض مصداقيتها. لقد عرف البكتيريا المحددة التي سببت الجمرة الخبيثة، السل والكوليرا. وطور مجموعة قواعد (أحكام كوخ) لتحديد ما إذا كان كائن دقيق هو مصدر المرض في شخص وليس مجرد التواجد فقط. إثر ذلك ولد علم الجراثيم.
سرعان ما ظهرت فروع أخرى لعلم الجراثيم. وقد وجد أن أمراضا استوائية كثيرة كانت نتيجة لجراثيم طفيلية نشرها البعوض. ومن بينها قاتلين شرسين - الملاريا والحمى الصفراء. لم يتمكن أحد من ربط الحمى الصفراء، كما الجدري وداء الكلب، بأي بكتيريا. واعتمادا على دراسات اختصاصي علم الأمراض الروسي ديمتري أيفانوفسكي (1864-1920)، اكتشف الجراح الأمريكي وولتر ريد (1851-1902) عام 1901 أن الحمى الصفراء نتجت عن فيروس، عن شيء أصغر من البكتيريا.
كان يعتقد بأن الفيروسات غير مرئية حتى اختراع مجهر الإلكترون في الأربعينيات من القرن العشرين، لكنها حددت في نهاية المطاف على أنها مسببة مضيف الأمراض. وهذه تتضمن الجدري، الانفلونزا، الزكام، الحصبة، شلل الأطفال والإيدز مؤخرا. يعتقد أنها تلعب دورا رئيسيا في السرطان.
التعقيم والتخدير. في منتصف القرن التاسع عشر، جعلت الاكتشافات الأخرى الجراحة المكثفة أمرا عمليا. وحتى ذلك الوقت، كانت الخيارات الجراحية محدودة بسبب الألم المصاحب لإجراء الجراحة على شخص مستيقظ وخطر الإصابة بعد العملية. في الأربعينيات من القرن التاسع عشر، ابتكر أطباء الأسنان أولا استخدام أكسيد النتروجين ثم الأثير كمواد مخدرة. تم تبني الأخير سريعا في أوروبا للغايات الجراحية، متيحا الوقت للجراحين لإجراء جراحات طويلة ودقيقة.
أدوات الجراحة
تظهر هذه الصفحة من كتاب لعام 1838 أنواع مختلفة لأدوات ومعدات جراحية لعلاجات مثل الحجامة والنزف.
في نفس الوقت تقريبا برهن الطبيب الهنغاري إغناز سملويس أن العدوى بعد الإنجاب كانت بسبب عدم غسل الأيدي بواسطة الأطباء في المستشفيات. في نهاية الستينيات من القرن التاسع عشر، بدأ الجراح جوزيف لستر (1827-1912)، الذي كان مطلعا على بحوث باستور، بغمر الضمادات في حمض الكربوليك وسكب الحمض على الجروح لتعقيمها. وهكذا تمكن من خفض معدل الوفيات بسبب الغرغرينا ورسخ الجراحة المعقمة. مع قدوم القرن العشرين، كانت غرفة العمليات عبارة عن محيط معقم.
جلب القرن العشرين الانتشار العالمي للطب العلمي.