انتقل الى جوار ربه الأستاذ الدكتور أسامة أمين الخولي وكيل كلية الهندسة جامعة القاهرة ورئيس قسم هندسة الطيران السابق فيها وهو واحد من ذلك الرتل من أفذاذ مصر الذين بعثتهم الحكومة المصرية في أعقاب الحرب العالمية الثانية للحصول على درجة الدكتوراه من الجامعات البريطانية والأمريكية والأوروبية وقد عاد هذا الجيل من الأساتذة - ومنهم أسامة الخولي - حاملا الى مصر أحدث ما وصل إليه العلم والمعارف الإنسانية المختلفة والفكر الإنساني بصورة عامة، وأعطى هذا الجيل الى الجامعات المصرية والتعليم العالي في الخمسينيات وأوائل الستينيات دفعة قوية وفكرا متجددا، وقد عمل أسامة الخولي في قسم هندسة الإنتاج ثم أنشأ قسم هندسة الطيران وهو القسم الأول من نوعه في الجامعات العربية، وشارك أسامة الخولي وأشرف على مشروع بناء أول طائرة مصرية، وهو المشروع الذي تعثر بعد نكسة 1967، كما عمل لفترة زمنية مديرا لمركز الحاسب الآلي في جامعة القاهرة عند إنشائه للمرة الأولى· وهو ابن الشيخ أمين الخولي أحد معالم مصر الفكرية في القرن العشرين وصاحب مدرسة فكرية مهمة، وكان لهذه النشأة تأثيرها المهم على حياته، وقد اتسم الدكتور أسامة الخولي - كمثقف عربي - باتساع قاعدته المعرفية وتنوعها الكبير وقد اهتم بموضوع السياسات العلمية والتكنولوجية وموضوع تطور التكنولوجيا الحديثة وآثارها المختلفة سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية وله في هذا الشأن مؤلفات كثيرة تزخر بها الدوريات العربية والأجنبية، وقد عمل مستشارا للمنظمة العربية للصناعة كما عمل لفترة مستشارا للمنظمة العربية للثقافة والعلوم، وقد اهتم بموضوع البيئة ولعب دورا فعالا في مؤتمر البيئة الذي عرف باسم قمة الأرض عام 1992 بريودي جانيرو وشارك في صياغة إعلان ريو المشهور عن البيئة والتنمية عام 1993 للأمم المتحدة· وحينما اتخذ النظام المصري في السبعينيات موقفا من التيار القومي واليساري كان أسامة الخولي أحد الطيور المهاجرة حيث استقر به الأمر في الكويت وعمل مستشاراً لمعهد الكويت للأبحاث العلمية لشؤون السياسة العلمية، وخلال إقامته في الكويت تنقل بين الأقطار العربية مستشاراً للشؤون العلمية والتكنولوجية، ولم يبخل بعطاء ولم يتراجع عن تقديم مشورة ولم يستبق شيئا، وساهم أثناء إقامته في الكويت في الكثير من المجالات الفكرية حيث عمل عضوا فعالا في هيئة تحرير كل من دورية عالم الفكر ودورية عالم المعرفة· وكان أسامة الخولي مصريا صميما حتى النخاع، أحب مصر وترابها وعشق استنشاق هوائها· وكانت معاناته حين اضطرته الظروف للابتعاد عنها، وكانت انتماءاته القومية واضحة لا لبس فيها ولقد كلفه هذا الموقف الكثير لعل أهمه اضطراره للرحيل عن مصر· وقد شارك الدكتور أسامة الخولي في المئات من المؤتمرات والندوات العلمية على المستوى الإقليمي والدولي، وكانت له إسهاماته الواضحة في كل منها· وكان له أسلوبه المتميز البليغ في الكتابة باللغة العربية وفي الإلقاء أيضا والغريب أنه تمتع بهذه الموهبة أيضا في كتاباته باللغة الإنجليزية بالرغم من أنها ليست لغته الأم· والدكتور أسامة فنان بكل معنى الكلمة أحب كل أنواع الفنون ولكنه كان عاشقا للموسيقى دارسا لها عالما بقواعدها وأصولها وتقنياتها، وكان رحمه الله ذا شخصية جذابة وله حضوره القوي في أي مجلس وكان بجانب ذلك خفيف الظل و”ابن نكتة” وسريع القفشات وكان بسيطا في كل شيء في مأكله ومشربه وملبسه وفي علاقاته بمن حوله· لقد كان عطاء أسامة الخولي بلا حدود وستظل ذكراه العاطرة في قلوبنا جميعا، أسكنه الله فسيح جناته، والى أهله أتقدم بخالص التعازي وبصورة خاصة السيدة ناهد حبيب زوجته ورفيقة دربه وسنده في كل ما قام به وأنجزه، كما أتقدم بخالص العزاء الى أبنائه الدكاترة أيمن وإيمان الخولي راجيا من المولى عز وجل أن يكونا امتداداً لأبيهما·